التصنيفات
الأدب العام

أمنية .. تقلب الموازين .. "قصةخيالية"

تأليف : أسماء علي رمضان الراشدي..
أسمى العرب
ط£ظ…ظ†ظٹط© .. طھظ‚ظ„ط¨ الموازين
كان يا ما كان ، في قديم الزمان ، وفي سالف العصر والأوان ، كانت هناك قرية صغيرة تدعى قرية الأشجان ، منها اكتُشفت أعذب الألحان ، ومنها تخرج الفنان ، وأرضها مثل الجنان ، فيالها من قرية تأخذ عقول بني الإنسان ..
كانت هناك فتاة تعيش في تلك القرية تدعى "سالي" ، فتاة لم تبلغ الرابعة عشر بعد ، تعمل في حياكة الثياب وبيعها ، وقد كانت أفضل من يحيكها ، هي فتاة جميلة ، تضع منديلاً أحمراً على شعرها ، وترتدي ثوباً أزرقاً حاكته لها والدتها .
في إحدى الأيام وبينما كانت تحيك الثياب في منزلها جاءتها زوجة الحاكم ، طرقت الباب.. دخلت .. ثم قالت : لقد سمعت بأنك أفضل من يحيك الثياب في هذه القرية ، فهل ما سمعته صحيح ؟؟
قالت سالي :عفواً سيدتي الحاكمة !! عملي هو حياكة الثياب وليس إبداء الرأي ..
نظرت الحاكمة لهذه الفتاة باحتقار وقالت : ما رأيك لو عرضت عليك مبلغاً زهيداً مقابل أن تحيكي لي ثوباً لم ير أحد مثله قط؟!!
قالت سالي : وما مناسبة ذلك الثوب ؟؟
قالت الحاكمة : سيقام حفل بمناسبة تعيين ابن أخي وزيراً للاقتصادية في هذه البلدة ..
قالت سالي : إذا هو يوم مهم لكِ وعليك أن تظهري بشكل راق.
قالت الحاكمة : تماماً .. ماذا قررت ؟؟
قالت سالي : أنا موافقة ..
قالت الحاكمة : على شرط واحد ..
فتعجبت سالي : وما هو ؟!
قالت الحاكمة : إن لم تتقني صناعة الثوب المطلوب قبل يومين …
قالت سالي : ماذا؟َ!
قالت الحاكمة : إن لم تتقني صناعة الثوب المطلوب قبل يومين فسوف تدفعين ضعف المال الذي اشتريتُ به هذا القماش ..
قالت سالي : ما دام الأمر كذلك .. فأظن أن التراجع خير لي .. ألقت الحاكمة بالقماش على وجهها ، ثم قالت : لقد فات الأوان..
ثم ولّت مدبرة نحو مركبتها ، ارتبكت سالي قليلا ، ثم قالت : سأبذل جهدي ..
بقيت سالي مستيقظة الليل كله تبحث عن تصميم مناسب فلم تجد شيئاً ، وأشرقت شمس اليوم الأول وهي ماكثة أمام القماش باحثة عن تصميم مناسب ، فلم تجد شيئا ، مر اليوم الأول ، بقيت حائرة في أمرها ما الذي ستفعله ، لم يبقى لها سوى يوم واحد ، قررت أن تخرج لتتجول في أرجاء المدينة ، علها تجد ثوباً جميلا يناسب سيدتها الحاكمة ، وبعد أن أمضت النهار كله باحثة عن ثوب جميل يليق بالسيدة أوشكت شمس المغيب على الغروب وهي لم تجد شيئاً يناسبها ، عادت وعيناها تكاد تفيض بالبكاء من شدة الحزن ، ما الذي ستفعله فات الأوان ، الأقمشة كثيرة ولم تعثر على تصميم للثوب بعد ، وستأتي السيدة الحاكمة مع صباح الغد ، حالما وصلت إلى المنزل ألقت بنفسها على سريرها والدموع تفيض من عينيها ، عندها غطّت في سباتٍ عميق لم تستيقظ منه إلا عند سماعها طرقات الباب ، استيقظت مذعورة ، اتجهت نحو باب المنزل ولكنها قبل أن تكمل خطواتها أخذت عينيها الدهشة مما تراه ، لقد وقفت مذهولة لا تعلم ما الذي جرى أهي في حلمٍ أم ماذا ؟! ازدادت الطرقات ، فتح الجندي الباب بقوة وأخذ يصرخ في وجه الفتاة ولكنه حالما رأى الثوب الجميل وقف مشدوها مما رأى ، تعجبت الحاكمة من تأخر الجندي فقررت أن ترى بنفسها ما الذي أخره كل هذا الوقت ، نزلت من مركبتها واتجهت نحو الباب وعندما دخلت ، بدأت بمعاتبته ولكن حالما ما ذهلت هي أيضاً وقالت : يال روعة هذا الثوب ، كم أنت حائكة ماهرة ، سأعطيك مكافئة قدرها ألفي دينار ، وحملت الثوب وذهبت به ، وأقيم ذلك الحفل ، وقد كانت السيدة الحاكمة في غاية السعادة بذلك الثوب ، ولكن اللغز المحير الذي مكث في ذاكرة سالي ، هو كيف استطاعت نسج ذلك الثوب بل من الذي نسجه لها؟؟ لا بد أن هناك سراً وراء ذلك الثوب ،
وفي فجر اليوم التالي طُرق الباب ، فتحت سالي الباب ، وإذ بها ترى سيدة عجوزاً تقف أمامها ، لها أنف أحمر طويل، وعينان صغيرتان ، قزمة ليست بطويلة ، تكثر التجاعيد بوجهها ، وترتدي معطفا رثاً ، وتتكئ على عصا من أغصان الشجر ، كم كان الجو ماطراً ، أدخلت سالي العجوز ، وأجلستها أمام المدفئة ، وقدمت لها شراباً دافئاً ، وبعد دقائق قالت : ما هي بغيتك يا جدتي ؟
فنظرت نحوها بنظرات مخيفة ثم قالت : المال الذي أعطتك إياه تلك الحاكمة ..
قالت سالي : ولكنه مالي ..
فصرخت العجوز في وجهها : أأنت من حاك ذلك الثوب أم أنك وجدته حالما استيقظت ؟؟
قالت سالي بتردد : وجدته .. وجدته حالما استيقظت ..
قالت العجوز : أوَ تريدينني أن أحيك ذلك الثوب وأبذل كل جهدي فيه وفي النهاية تأتين لتأخذي أنت جُل تعبي وبذل جهدي ؟؟
قالت سالي : لا أبداً .. الآن فهمت .. أنت من حاك ذلك الثوب ، أشكرك كثيراً يا جدتي ، لقد أنقذتني من سجن محتم ، ماذا سوف أفعل لو لم أجد المبلغ المطلوب لإيفائه للسيدة الحاكمة ؟؟ أنت حقاً سيدة رائعة ..
قالت العجوز : وماذا عليك أن تفعلي أمام هذه الخدمة؟
ركضت سالي نحو صندوق الإبر والخيوط وأخرجت سرة المال الذي خبأته في الصندوق ، وقدمته لتلك العجوز ، وعندما ودعت سالي تلك الجدة ضحكت الجدة ضحكات خفيفة ، ثم قالت : يا لك من فتاة أمينة حقاً ..
ومرت الأيام وبدأ القحط يصيب أهل تلك القرية ، المزارعون أجدبت أراضيهم ، والصيادون يئسوا من مكوثهم المستمر أمام البحيرة ، فقد اختفت الأسماك ، والخبازون ماذا يخبزون إن لم تكن هناك مزارع للقمح؟ وسالي ماذا تفعل إن لم يكن هناك من يدفع النقود لتحيك له الثوب المطلوب ؟؟
لقد أصبح الفقر يحيط بتلك القرية والإرهاق صار واضحاً على وجوههم ..
وحل الشتاء والكل يبحث عن ملاذ من ذلك البرد القارص والجوع القاسي ، وجاءت تلك الليلة التي كانت من أقسى الليالي ، كان الجو ممطراً ، والثلوج متساقطة ، طُرقَ الباب ، اتجهت سالي نحو الباب وبالكاد تفتح عينيها ، فتحت الباب بهدوء ، وإذا هي نفس تلك العجوز التي رأتها منذ عام ..
قالت العجوز : مرحباً يا صغيرتي ..
قالت سالي : مرحباً بك يا جدتي .. آسفة .. لكن .. ليس لدي الحطب لأشعل المدفأة كما فعلت في السابق .
قالت العجوز بتضجر : أتقصدين أنه ليس لي مكان عندك ؟!
قالت سالي : أبداً تفضلي ..
وعندما دخلت العجوز حاولت سالي أن توقد النار بأغصان الشجر المبللة لتصنع لها شراباُ دافئاً ، ضربت العجوز عصاها في الأرض وفجأة اشتعلت النار من بين يديها ، فظنت أنها أشعلتها حقاُ ، وقامت بتسخين الشاي لها ، لم يبقى في الإناء ولا قطرة واحدة ، فقد وضعت الشراب كله في كأس العجوز ، وقدمته لها ..
جلست سالي على كرسيها وناظريها على قدميها وهي ترتجف ، والعجوز جالسة تحتسي شرابها باستمتاع ، وفجأة .. قالت العجوز : ما هي أمنيتك يا صغيرتي ؟؟
فتعجبت سالي ورفعت ناظريها إلى عيني العجوز ، وجلست محدقة ، ثم كررت سؤالها ..
قالت سالي : أتمنى .. أتمنى لو يعود أهل القرية إلى رخائهم السابق ، أتمنى لو تعود الألفة والمحبة كما كان أهل القرية سابقاً ..
قالت العجوز : هل تعلمين يا صغيرتي ؟؟
قالت سالي : ماذا ؟؟!
قالت العجوز : أنا من جاءتك في البداية منتحلة شخصية الحاكمة ، ومدعية ذلك الإدعاء ، ومن ثم أتيتك منتحلة شخصية العجوز طالبة المال الذي أعطيتك إياه وها أنا آتيك الآن بنفس تلك الصورة صورة العجوز ، وقد كان ذلك امتحاناً لك ..
فتحت سالي عينيها بتعجب وبقيت محدقة في السيدة العجوز ثم طرقت العجوز بعصاتها على الأرض ، فشع شعاع قوي من العصا ، أغمضت سالي عينيها وما هي إلا ثوان حتى تحولت إلى سيدة شقراء جميلة ، ثم قالت : هذه أنا على حقيقتي أظن أن مهمتي قد انتهت في البحث عن حاكمة مخلصة لهذه البلاد ، وأظن أن الحاكمة المناسبة هي أنت ..
قالت سالي : مـ ماذا ؟!! أنا لا أفهمك ! لماذا اخترتني أنا من بين بني أفراد قريتي كلهم ؟؟
قالت السيدة : لأن أمنيتك كانت تحتوي حبك وحنانك لأهل القرية ، لقد تمنيت الخير لهم ، ولم تفكر بنفسك ، فلو طرحت هذا السؤال على غيرك ، لتمنى ما يهم نفسه فقط ، فهذا السؤال هو سؤال مغرٍ للكثير الكثير ، وهذا الدور يناسبك .. نعم .. أن تصبحي حاكمة للقرية بأكملها ..
ولكن سالي لم تكن سعيدة بل أدنت رأسها أرضا ، وقالت : ولكن .. أخاف أن أظلم أحداً أو أصبح فتاة مغرورة ومتكبرة يمقتني الناس ..
قالت السيدة : أولا .. طيبة القلب راشدة العقل لا يمكن أن تكون ظالمة أو متكبرة ومغرورة .. أما ثانياً .. فسأبقى برفقتك ولمساعدتك .. فما رأيك ؟؟
قالت سالي : ما دام الأمر كذلك .. فأنا موافقة ..
وانكشفت الغيوم عن الشمس ، وذابت الثلوج عن الأرض ، وانتشرت الأعشاب الخضراء على ضفاف الأنهار ، ودبت الحياة في القرية من جديد ، ونودي في القرية نبأ وفاة الحاكم ، وأن الحاكمة الجديدة هي الآنسة سالي ..
هكذا يكون أبيض القلب يا أعزائي ، إن كان ما يفعله خيراً ، فما سيعود عليه خير بإذن الله ، ولرُب ضارة نافعة يا أحبائي القراء .. أسمى العرب


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.