التلبينة: غذاء ودواء
أولاً: أهم الأحاديث الواردة في الموضوع:
1ـ روى الترمذي بسنده عن سليم بن عامر سمعه أبو أمامة يقول: "ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خبز الشعير".
2ـ روى الإمام أحمد عن عروة عن عائشة رضي الله عنه أنها قالت: "ولا أكل صلى الله عليه وسلم خبزًا منخولاً منذ بعثه الله إلى أن قبض".
3ـ في الصحيحين من حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت إذا مات الميت من أهلها واجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلى أهلهن أمرت بِبُرمة من تلبينة فطبخت وصنعت ثريدًا ثم صبت التلبينة عليه، ثم قالت: كلوا منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن".
4ـ روي ابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أحدًا من أهله الوعك أمر بالحساء من شعير فصنع، ثم أمرهم فحسوا منه ثم يقول: "إنه يرتو فؤاد الحزين، ويسرو فؤاد السقيم، كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها". أخرجه ابن ماجه في الطب باب التلبينة، والترمذي باب ما يطعم المريض، وقال: حسن صحيح.
5ـ في السنة من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالبغيض النافع التلبين"، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أحد من أهله لم تزل البُرمة على النار حتى ينتهي أحد طرفيه يعني يبرأ أو يموت. أخرجه ابن ماجه وأحمد، وفي سنده جهالة، وله شواهد.
6ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قيل له إن فلانًا وجعٌ لا يطعم الطعام قال: "عليكم بالتلبينة فحسوه إياها"، ويقول: "والذي نفسي بيده إنها تغسل بطن أحدكم كما تغسل إحداكن وجهها من الوسخ".
أشارت هذه الأحاديث إلى استعمال حبوب الشعير غذاء ودواء فقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بيته خبزًا، وأمر به للمريض الذي لا يطعم الطعام، وأمر به للحزين، وإصلاح فؤاد المريض، وأمر به للمبطون فإن حساء الشعير يغسل بطن المريض. ويرتو فؤاد الحزين، ويسرو فؤاد السقيم.
والتلبين لغة:
هو الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن، ومنه اشتق اسمه، وقال الهروي رحمه الله: سميت تلبينة لشبهها باللبن لبياضها ورقتها.
وقال ابن القيم رحمه الله: وهذا الغذاء هو النافع للعليل وهو الرقيق الناضج، لا الغليظ النيئ، وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة فاعرف فضل ماء الشعير، بل هي ماء الشعير لهم، فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحًا والتلبينة تطبخ منه مطحونًا وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن.
ثم قال رحمه الله: وقوله صلى الله عليه وسلم: "مجمة لفؤاد المريض" يُروى بوجهين بفتح الميم والجيم، وبضم الميم وكسر الجيم، والأول أشهر ومعناه مريحة له أي تريحه وتكسنه، من الإجمام وهو الراحة. وقوله: "تذهب ببعض الحزن"، قد يقال وهو الأقرب: إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية والله أعلم. ويقول رحمه الله ـ في تفسير حديث عائشة رضي الله عنها: "إنه ليرتو فؤاد الحزين، ويسرو فؤاد السقيم كما تسرو إحداكن الوسخ عن وجهها" ومعنى يرتو أي: يشد ويقوي، ويسرو: يكشف ويزيل، ثم يقول رحمه الله: وقد تقدم أن هذا ماء الشعير المغلي وهو أكثر غذاء من سويقه وهو نافع للسعال، وخشونة الحلق، صالح لقمع حدة الفضول، مدر للبول، جلاء لما في المعدة، قاطع للعطش، مطفئ للحرارة.
ثم قال ـ رحمه الله ـ وصفته "ماء الشعير" أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدارًا ومن الماء العذب الصافي خمسة أمثاله. انتهى كلامه. رحمه الله.
البحوث العلمية وبيان وجه الإعجاز في دلالة النصوص:
توافقت البحوث الحديثة في مجال الغذاء والاستطباب بالشعير مع هدي سيد الأنام صلى الله عليه وسلم وسأعرض نتائج هذه الأبحاث إثر بيان الدلالة في نص الأحاديث النبوية كالآتي:
أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم: "التلبينة مجمة لفؤاد المريض"
الشعير والكوليسترول
تعريف الشعير: هو نبات حولي من الفصيلة النجيلية ويشبه في شكله العام نبات الشوفان والقمح وهو أقدم غذاء للإنسان واسمه العلمي: Hordeum valgara
والكولسترول: هو مركب دهني نتناوله في طعامنا، وتكونه أجسادنا ويجري في دمائنا وله حد طبيعي إن زاد عنه تترسب هذه الزيادة على جدران الأوعية الدموية وتضيقها، وتعد زيادته أحد الأسباب المؤدية إلى الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
أثبتت الدراسات العلمية فاعلية حبوب الشعير الفائقة في تقليل مستوى الكوليسترول في الدم من خلال عدة عمليات حيوية منها:
ـ تحتوي حبوب الشعير على مركبات مشابهة لفيتامين E الذي يعد من أشهر مضادات الأكسدة التي لها القدرة على تثبيط إنزيمات التخليق الحيوي للكوليسترول.
ـ تحتوي ألياف الشعير المنحلة على مادة هامة جدًا وهي البيتا جلوكان glucan ـ Beta التي تتحد مع الكوليسترول الزائد في الأطعمة والأحماض الصفراوية مما يقلل وصوله إلى تيار الدم.
وتشير نتائج البحوث إلى انخفاض نسبة الكوليسترول العام بنسبة 10%، وانخفاض نسب الكوليسترول منخفض الكثافة ldl إلى 8% وارتفاع نسبة الكوليسترول عالي الكثافة hdl إلى 16%.
ـ ينتج عن تخمر الألياف المنحلة في القولون أحماض تمتص من القولون وتتدخل مع استقلاب الكوليسترول فتعيق ارتفاع نسبة في الدم.
ـ الشعير يكبح جماح ضغط الدم لسببين:
يحتوي على كمية وافرة من عنصر البوتاسيوم حيث يخلق هذا العنصر التوازن اللازم بين الملح والماء داخل الخلية.
الشعير مدر للبول مما يقلل من ضغط لدم.
ـ الشعير ينظم امتصاص السكر إلى الدم مما يجد من ارتفاع السكر المفاجئ لاحتواء أليافه المنحلة القابلة للذوبان على بكتينات تكون مع الماء هلامًا لزجًا يبطئ من هضم وامتصاص النشويات والسكريات، كما أنه قليل السعرات غني الألياف المنحلة وغير المنحلة، مما يقلل من الرغبة في تناول الأطعمة السكرية وغيرها، وهذا يساعد على تنظيم نسبة السكر في الدم.
ثانيًا: قوله صلى الله عليه وسلم: "تذهب ببعض الحزن":
أثبت الباحثون أن الحزن والاكتئاب هو خلل كيميائي، كما أثبتوا أن هناك مواد لها تأثر في تخفيف الاكتئاب والحزن، مثل: عنصر البوتاسيوم والمغنيسيوم ومضادات الأكسدة والميلاتونين وبعض عناصر فيتامين "ب" المركب والسيراتونين، فما علاقة الشعير بذلك؟
ـ يحتوي الشعير على عنصري البوتاسيوم والمغنيسيوم اللذين يؤدي نقصهما إلى سرعة الغضب والانفعال والشعور بالاكتئاب والحزن، وضبط عنصر البوتاسيوم والمغنيسيوم له تأثير في تخفيف الاكتئاب عن طريق تأثير هذين العنصرين على بعض الموصلات العصبية، وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "يذهب ـ ببعض ـ الحزن"، وقول الباحثين يؤدي إلى تخفيف الاكتئات.
يشعر الإنسان بالميل إلى الاكتئاب عند تأخر العمليات الفسيولوجية للموصلات العصبية وهذا من أهم أسبابه نقص فيتامين "ب" المركب، والشعير يحتوي على كمية طبيعية من بعض فيتامين "ب" المركب، وهذا مما يساعد على التخلص والتخفيف من الاكتئاب.
إن علاج نقص مضادات الأكسدة مثل فيتامين "هـ" له تأثير فعال في علاج حالات الاكتئاب والشيخوخة وخاصة لدى المسنين، وأيضًا على فيتامين A المضاد للأكسدة.
يحتوي الشعير على حمض الأميني تريبتوفان "Tryptophan" الذي يسهم في تخليق أهم الناقلات العصبية وهو السيروتونين "Serotonin" والتي تؤثر بشكل واضح في الحالة النفسية والعصبية للمريض.
ثالثًا: قوله صلى الله عليه وسلم "التلبينة تغسل بطن أحدكم كما تغسل إحداكن وجهها من الوسخ بالماء" فما ذاك؟
ـ التلبينة ملين للأمعاء، مهدئ للقولون، مضاد لسرطان الأمعاء، يوصف حساء الشعير للمرضى كغذاء لطيف سهل الهضم، والشعير غني بالألياف المنحلة وغير المنحلة، وهذه الأخيرة تمتص كميات كبيرة من الماء وتحبسه داخلها، فتزيد من كتلة الفضلات مع الحفاظ على ليونتها مما يسهل ويسرع هذه الكتلة عبر القولون، وينشط الحركة الدودية للأمعاء مما يدعم عملية التخلص من الفضلات، وهناك أبحاث على أهمية الشعير في التقليل من الإصابة بسرطان القولون، حيث استقر الرأي على أن الشعير يقلل من بقاء الفضلات في الأمعاء؛ مما يقلل من بقاء المواد المسرطنة في الأمعاء؛ مما يقلل من الإصابة بالسرطان، كما أن الشعير يحوي من عناصر مضادات الأكسدة والفيتامينات ما يقاوم الشوارد الحرة "Free radical" التي تدمر غشاء الخلية والحمض النووي، وقد تكون المتهم الرئيس ي حدوث أنواع معينة من السرطان.
ـ الشعير لا يحتوي على مادة الجلوتين وهي مادة صمغية يحتوي عليها القمح بوفرة، والجولتين باللاتينية يعني الصمغ. وقد اكتشف الباحثون أن سوء امتصاص الطعام الناتج عن مرض السلياك إنما هو بسبب مادة الجلوتين الموجودة في القمح، ووجد أن أعراض هذا المرض تختفي تمامًا باستبعاد مادة الجلوتين من وجبات المريض، ومرض السلياك مرض سوء التغذية نتيجة سوء الامتصاص للمواد الغذائية وعدم امتصاص المواد الدهنية، فانظر إلى الشعير وكيف أن "اللتلبينة تغسل بطن أحدكم".
ـ يستخرج من الشعير مادة تستعمل حقنًا تحت الجلد أو شرابًا في حالات الإسهال والتيفوئيد والتهابات الأمعاء تسمى الهوردنين "L,Hordenine".
رابعًا: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنه يرتو فؤاد الحزين ويسرو فؤاد السقيم":
ثبتت وفرة الميلاتونين الطبيعي غير الضار في الشعير فكل آثار الميلاتونين تظهر على مغتنم الشعير، فما هو الميلاتونين وما آثاره.
الميلاتونين: هرمون تفرزه الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ خلف العينين ويحصل الجسم على أعلى معدل إفراز منها عند الليل ومع تقدم السن يقل إفراز هذه الغدة، وهرمون الميلاتونين له القدرة على الوقاية من أمراض القلب، وله القدرة على خفض الكوليسترول في الدم مما يؤدي إلى خفض ضغط الدم، وله علاقة بالشلل الرعاش عند المسنين، ويزيد الميلاتونين من وقاية الاكتئاب، ويعمل على تأخير ظهور أعراض الشيخوخة.
والشعير من أعلى الحبوب في نسبة احتوائه على الميلاتونين.
الشعير وتقوية جهاز المناعة
أظهرت الدراسات التجريبية على الحيوانات أن "بيتا جلوكان" وهو أحد مكونات الشعير ـ ينشط كرات الدم البيضاء؛ وهي أحد آليات جهاز المناعة الهام لحماية الجسم من أخطار الكائنات الدقيقة الممرضة والتخلص من السموم والخلايا المصابة.
كما وجد أن "البيتا جلوكان" يسرع شفاء النسيج التالف، ويحفز العناصر الأخرى لجهاز المناعة. وينصح الآن بهذه المادة كممل غذائي لتحسين جهاز المناعة في جسم الإنسان، وهذا يتوافق مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في وصف التلبينة للمرضى أثناء فترة مرضهم؛ مما يثبت يقينًا أن كلامه صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر خارج من مشكاة النبوة. وصدق الله القائل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى[3]إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3ـ4].
منقوووووووووول للافادة