التصنيفات
اسلاميات

ابناؤنا وشعيرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

أبناؤنا و شعيرة الأمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ظˆط§ظ„ظ†ظ‡ظٹ عن المنكر

أ . د / صالح بن علي أبو عرَّاد

أستاذ التربية الإسلامية بكلية التربية في جامعة الملك خالد

الحمد لله الذي جعل الأمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ظˆط§ظ„ظ†ظ‡ظٹ عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± من فضائل الدين وعظيم دعائمه ، والصلاة والسلام على خير من أمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ونهى عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± ، وعلى آله الأخيار ، وصحابته الأطهار ، أما بعد ؛
فلعل مما يلفت النظر في وقتنا الحاضر أن كثيرًا من التربويين والدعاة الكرام يتحدثون كثيرَا عن العديد من القضايا التربوية ، ويتطرقون إليها بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة في دروسهم ومواعظهم وأحاديثهم ، إلا أنهم ينسون أو يتناسون الإشارة في ذلك كله إلى جانبٍ تربويٍ هامٍ في حياتنا ؛ ألا وهو الجانب المعني بتربية النشء على مبدأ الأمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ظˆط§ظ„ظ†ظ‡ظٹ عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± ، وحتى أولئك الذين يزعمون أنهم خُبراء في تطوير الذات والتنمية البشرية ؛ فإنهم قليلاً – إن لم يكن نادرًا – ما يقومون بتنظيم وتنفيذ برامج خاصةٍ بتنمية شعيرة الأمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ظˆط§ظ„ظ†ظ‡ظٹ عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± لدى الصغار من أبناء المجتمع ، ولاسيما أن هذا الجانب على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية ، ويستوجب ضرورة العناية والاهتمام بهذه النوعية من البرامج التربوية التي – لا شك – في ضرورتها وأهميتها ، ودورها الفاعل في غرس هذا المبدأ الإيجابي ، وتنميته في النفوس حتى يمكن لها أن تتشـربه ، وأن تعمل به ، وأن تُطبقه في واقعها وتُترجمه في كل جزئيةٍ من جزئيات الحياة .

ومن هنا فإنه ينبغي أن تتم تربية الأولاد على العناية والاهتمام بشعيرة الأمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ظˆط§ظ„ظ†ظ‡ظٹ عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± واحترامها والحرص عليها على اعتبار أنها تُعد من أهم وأبرز مقومات التربية الإسلامية الشاملة التي لا يمكن أن تقوم تربية الفرد والمجتمع المسلم دون توافرها قولاً وعملاً ، والتي لا بُد من الحرص على أدائها واقعًا تطبيقيًا على النحو الإيجابي الصحيح الذي يقوم في الأصل على مبدأ التواصي بالحق والتواصي بالصبر ، وهو ما أكدّه القرآن الكريم في قوله تعالى : { وَالْعَصْرِ  إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ  إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } ( سورة العصر ) .

أما الكيفية التي يمكن أن تتم من خلالها التربية على شعيرة الأمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ظˆط§ظ„ظ†ظ‡ظٹ عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± فليست كيفيةً واحدةً معينة ؛ ولكنها تختلف باختلاف الظروف والحالات ، وتتنوع بتنوع الأزمنة والأمكنة ، وتتباين بتباين الأسباب والمُسببات ، وإن كانت في ذلك كله تعتمد على عنصرين أساسيين هما : العلم النافع ، و العمل الصالح ، فلا علم بلا عمل ، ولا عمل بلا علم .

ولعل خير شعارٍ يُستدل به على تلك الكيفية ما جاء على لسان شيخ الإسلام ابن تيمية ( رحمه الله ) ، الذي وصف كيفية الأمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ظˆط§ظ„ظ†ظ‡ظٹ عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± في عبارةً شاملةٍ جامعةٍ شافيةٍ وافيةٍ قال فيها : " ليكن أمرك بـالمعروف ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ، ونهيك عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± بلا منكر " .

ولعل مما يُلفت النظر في هذا الشأن أنه ليس هناك عمرُ زمنيٌ محددٌ لتربية أبناء المجتمع المسلم على هذه الشعيرة الإسلامية السامية ؛ فهي في مراحلها الأولية وصورها المبدئية تبدأ معهم منذ نعومة أظفارهم ، وتظل مُستمرةً معهم بشكلٍ مُتدرجٍ فهم يتشربونها شيئًا فشيئًا حتى تصبح فصلاً ثابتًا في نظام حياتهم وواقعهم الذي يعيشونه ، ولاسيما أنها في حقيقتها تُعدُ صفةً من الصفات الإيجابية المميزة للإنسان المؤمن الملتزم بتعاليم الدين وتوجيهاته وهديه القويم في كل شأنٍ من شؤون الحياة ، وكل جزئيةٍ من جزئياتها انطلاقًا من قوله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } ( سورة التوبة : الآية 71 ) .

وفيمـا يلي الـمـاحةٌ عن أبرز الانعكاسات التربوية التي يمكن أن تتحقق على شخصية الإنسان المسلم عندما تتم تربيته منذ بداية نشأته على التمسك بشعيرة الأمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ظˆط§ظ„ظ†ظ‡ظٹ عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± والمحافظة عليها في واقع حياته ، وهي انعكاساتٌ رئيسةٌ تتمثل فيما يلي :

= الانعكاس الأول : تحقق معنى ( الخيرية الإنسانية ) التي تجعل من الإنسان خيِّرًا لا شريرًا ، ومحبًا للخير وأهله ، ومجتنبًا للشر وأهله سواءً أكان ذلك على مستوى الفرد أو الجماعة أو الأُمة ، وهو ما أخبر الله تعالى عنه في قوله سبحانه : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } ( سورة آل عمران : 110 ) .
وهنا يُلاحظ قوة ارتباط تحقق مبدأ الخيرية من خلال أداء شعيرة الأمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ظˆط§ظ„ظ†ظ‡ظٹ عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± والقيام بها انطلاقًا من دائرة الإيمان الحقيقي بالله تعالى .

= الانعكاس الثاني : تحقق صفة ( الصلاح والإصلاح ) ، إذ إن التربية على شعيرة الأمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ظˆط§ظ„ظ†ظ‡ظٹ عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± والقيام بها على الوجه الأكمل بين أفراد المجتمع تُعد من دلالات الصلاح الاجتماعي الذي يؤدي إلى الاتصاف بصفات الصالحين سواءً على مستوى الفرد أو الجماعة ، وهو ما يؤكده قوله تعالى : { يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ } ( سورة آل عمران : 114 ) .

ومتى ما حصل ذلك الصلاح تحقق أحد أبرز أهداف التربية الإسلامية العامة التي نعلم جميعًا أنها تسعى في مجملها إلى إيجاد الإنسان الصالح المُصلح في كل زمانٍ ومكان .

= الانعكاس الثالث : تحقق معنى ( التمكين في الأرض ) ، وما يتبع ذلك التمكين من النصر و العزة والرُقي لمن يتحلى بهذه الشعيرة العظيمة ويقوم بأدائها ، ويتخلق بأخلاقها ويتأدب بآدابها ، ويتمسك بتعاليمها ومقتضياتها في مختلف شؤون حياته الدينية والدنيوية انطلاقًا من قوله تعالى : { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ } ( سورة الحج : 41 ) .

فمن أمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ونهى عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± حصل له – بإذن الله تعالى – التمكين ، وتحققت له العزة في الدين والدنيا ، أما إذا لم يُرب الإنسان في صغره على احترام شعيرة الأمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ظˆط§ظ„ظ†ظ‡ظٹ عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± ، والعناية بها في مختلف شؤون الحياة ؛ فلا شك أن حياته ستكون حياةً ضائعةً ، ومليئةً بالمشكلات والمنغصات ، ولاسيما أن فقدان هذه الشعيرة يؤدي بكل تأكيدٍ إلى فقدان الأمن والأمان ، وانعدام الصدق والأمانة ، وانتشار الظلم و الفساد ، وبالتالي فإن تربية الإنسان تضطرب ولا تستقر ، وحياة المجتمع ترتبك ولا تنتظم ، وتفتقد إلى كثيرٍ من المقومات الحياتية التي لا غنى للإنسان عنها في أي زمانٍ وكل مكان .

فيا أيها المربون والدعاة ليكن لمبدأ الأمر ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ظˆط§ظ„ظ†ظ‡ظٹ عن ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± نصيبًا وافرًا من اهتماماتكم التربوية والدعوية ، ولتكن عنايتكم به فعليةً لا قولية ، ومنطلقةً من إدراككم لحقيقة ما يترتب على وجود هذا المبدأ التربوي من المصالح والمنافع على المستويين الفردي والمجتمعي ، وليحرص الجميع على التعامل مع هذا المبدأ التربوي من منظورٍ إيجابيٍ ، والله الهادي إلى سواء السبيل .


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.