فقالت: وماذا تفعلين به في البيت هل تكملين عملك هناك؟ قلت: لا، ولكني أفتحه لأعرف أحوال الناس وأخبارهم على الإنترنت، ففوجئت بفزعها واضطرابها، ثم قالت بلهفة: بالله عليك لا تفعلي، فأنا أحبك، فهذا الجهاز مدمر يدمر صاحبه، تعجبت لما بدر منها، وهدأت من روعها، استأذنت في الانصراف، أحببت أن أثنيها عن عزمها ولكنها صممت، تركتها وأنا أتساءل لم كان الجهاز مدمرًا وهو الذي ندبر به أمور حياتنا؟.
وفي اليوم التالي ذهبت إليها، وأنا عازمة على معرفة السبب، قدمت التحية ردتها ولم تزد، أخذت أتودد إليها، ثم قلت فجأة: ما سبب وصفك للكمبيوتر بأنه جهاز مدمر يدمر صاحبه؟
نظرت إليّ نظرة فاحصة، ثم قالت: هل تدخلين صفحة البيت؟ قلت: بالطبع، مصمصت شفتيها، وازدادت شحوبًا، وأخذت تتمتم بكلمات لم أتبينها، ولكن شممت منها ثورتها.
نظرت إليّ مشفقة حانية يا أختاه: هل تقبلين النصيحة من أخت تحبك، هذه الصفحة في وقت من الأوقات كانت شغلي الشاغل، وكانت غرفة الحوارات هي كل ما يهمني، والتي من خلالها تعرفت على شاب استمالني بكثرة الحديث، ووصل به الأمر إلي أن يستدعيني في غرفة خاصة؛ ليسألني عن أموري، وأسأله عن أموره، وزادت العلاقة بيننا، فأصبح كل منا مرآة الآخر، بالرغم من أنه لم يرني، ولم أره وكان يعمل في دولة عربية.
وللأسف لم أفاتح والدي عن هذه العلاقة، وكنت أدمن الجلوس عليه، والغريب أنهما لم يسألاني، هل كان هذا خطأ منهما أم الخطأ كان مني؟ لا أدري!!
المهم تطورت العلاقة، وطلب مني المقابلة طبعًا لم أتصور بأي حال أن تتطور العلاقة هذا التطور الخطير، طمأنني بأن المقابلة ستكون في مكان عام، حتى يراني كما رسمني في مخيلته، وافقت بعد تردد، وقابلته..تنهدت تنهيدة ثم استرسلت، فلما رآني قال: بالضبط كما تصورتك في نفسي، جلس وقال: لقد ولدنا لنكون لبعض، فأنا أريدك زوجة لي، قلت: ولكنني لم أكمل دراستي بعد، قال: ما يضر نتزوج بعد إتمام الدراسة، وخاصة أنه لم يتبق على نهاية العام إلا عدة شهور نكون قد هيأنا بيت الزوجية، وأعددنا أنفسنا لذلك، كيف أقنعني بفكرته لا أدري، فاتحت والدي بأن أخا صديقة لي يريد التقدم، ولم أخبرهم بالحقيقة وشكرت في خلقه.
وتم الزواج، ويا ليته لم يتم، في أرقي الفنادق، وكان كريمًا سخيًا في شراء الشبكة والهدايا، وتجهيز الجهاز، وطرت إلي البلدة التي يعمل بها، كان يعاملني برقة أحسد عليها نفسي، ولكن داخلي يحدثني بشيء آخر، وبدأ يلح على في العمل حتى لا أشعر بالوحدة، وخرجت فعلاً للعمل، وطلبتني الشركة للعمل فيها فترة ثانية، ففوجئت بتشجيعه لي، وبرر ذلك بأنهم واثقون في عملي، ولابد أن أكون عند حسن ظنهم، عملت يوميًا من أول اليوم إلى آخره، وفجأة في يوم أحسست بالإرهاق، فاستأذنت في الانصراف، وكان عادة يقوم بتوصيلي في الذهاب والعودة، فأخذت سيارة أجرة، وقمت بتدوير المفتاح في الباب، فكان مغلقًا، طرقت الباب فتح بعد فترة، وكان مرتبكًا، فسألته عن سبب إغلاقه للباب فتهرب من الإجابة، دخلت إلي غرفة نومي وجدت ثوبًا من ثياب النوم على الأرض، فلم أهتم، وبسبب إرهاقي نمت نومًا عميقًا، وبعد الراحة تذكرت الأحداث ومجريات الأمور، فلعب الوسواس في صدري لم أسأله عن شيء، ومثَّلت عدم الاهتمام، وأصر على ذهابي إلي طبيب لفحصي، وبشرنا بقدوم حادث سعيد، وجدته متجهمًا بعكس ما أعرف فرحًا من أن الأزواج يفرحون بالطفل الأول، وعلل ذلك بأن الوقت غير مناسب، وبعد عدة أيام، ورجعت من العمل فجأة، ويا هول ما رأيت، توقفت والدموع تملأ مقلتيها، وقد تحجرت محاولة إخفاءها، فنكست رأسها، وأسندتها بيديها، صمتت برهة، ثم استرسلت، رأيته ورأيتها، ويا ليتني لم أرهما في غرفة نومي وعلى مخدعي، مادت الأرض بي، وضاقت على نفسي، ومن هول ما رأيت لم أتفوه بكلمة انتظرت بالخارج حتى خرجت العشيقة، فلملمت متعلقاتي، ولم ينبس بكلمة، ورجعت إلى أهلي في أول طيارة، وكنت ضحية هذا الجهاز اللعين، الذي يلعب بحياة الناس، ويهدد مستقبلهم.
وها أنذا كما ترين امرأة مطلقة، وأنا في مقتبل العمر، فكان ذلك ثمنًا لكذبي على والديَّ وتصديقي الناس بلا تحرٍ.
وعرفت بعد فوات الأوان أن هذا الجهاز فيه الغث والسمين، والغث أكثر من السمين، فاحتاطي منه، واعلمي أن كل ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس هو إثم فتجنبيه، تسلمي وتسلم لك حياتك ومستقبلك.