التصنيفات
الأسرة

لِمَ يا ابنتي ؟؟

نجلاء البنت الوحيدة لوالدتها، تفتحت عيناها على أم ضعيفة لم ترزق بأولاد سواها بسبب وفاة زوجها، ولم تكرر الزواج مرة أخرى حفاظاً على مشاعر ابنتها ورغبتها بالتفرغ لتربيتها، وقد نالت نجلاء من الدلال الشيء الكثير حتى أن والدتها المريضة تشفق عليها من حمل حقيبتها المدرسية فتحملها عنها إلى بوابة المدرسة، وتتمتم بآية الكرسي والمعوذات كل صباح خشية أن تفقد نجلاء في أي لحظة! حتى أن هاجس الفراق قد سيطر عليها عدة مرات، لكنها امرأة مؤمنة بأن الآجال بيد الله، إلا أنها ما انفكت تفكر بمستقبل ابنتها عندما تكبر فلا تجد والدتها أمامها، وتارة ينقلب التفكير رأساً على عقب فيوسوس لها الشيطان أن تخرج نجلاء من بوابة المدرسة فتخطفها إحدى المركبات وترديها قتيلة لدرجة أنها كرهت كل مركبة تسير على أربع عجلات أو تزيد!!

وبالرغم من أن الدنيا لم تجُد على الأم المسكينة بالزينة الأخرى (المال) بيد أن إيمانها وقناعتها أن الله أعلم بما يصلح لعباده يجعل جسدها النحيل كالطود أمام إعصار الحيرة التي تقتلعها عندما ترى بعض أخواتها وجاراتها وهن يتمتعن بالأموال والأولاد، إلا أنهن يفتقدن الكثير مما عندها من أمانة وإخلاص في عملها وتعاملها الرائع مع أفراد مجتمعها، ولما تجدها ساجدة متبتلة لربها شاكرة لنعمته تتملكك رهبة الإيمان واستقصاء حكمة الله في خلقه، ولكنك عندما تجدها هلعة على ابنتها تشعر بحالة من التناقض والضعف الذي يتلبس على الإنسان، ويظهر ذلك جلياً عندما تكون نجلاء مريضة بأحد الأمراض التي يصاب بها الأطفال عادة، وكم سهرت ليال طوال تراقب حرارة الصغيرة، وتتمنى وهي تضع يدها على جبين ابنتها أن تنتقل الحرارة إلى جسدها الهزيل.

نجلاء الآن في الصف الثالث الثانوي، بارعة الجمال، تمتد قامتها أمام والدتها التي تجد فيها التعويض عما فقدته أو لم تحصل عليه فتراها تارة تداعب ابنتها كما لو كانت صبية ترتع في فضاء الصبا وأخرى تغضب عليها حين تقصر عن أداء الصلاة في وقتها، ثم لا تلبث أن تعود للتسامح.

سلسلة من العطاء لا تنتهي حلقة إلا وتبدأ الأخرى أكثر اتساعاً بالعطف، وأقوى إحكاماً بالحنان، لا تكاد تطلب من ابنتها قضاء حاجة لها خشية أن تشغلها عن أداء واجباتها في مرحلة دراسية مهمة قد تحقق النجاح وقد تفشل، وقد تنجح بفشل، كما حدث معها، حين كان مستواها دون المقبول في الثانوية، فلم تحظ بالقبول في الجامعة.

والحقيقة أن نجلاء تدرجت في سلم الفشل منذ كانت طفلة، تعودت الاتكال على والدتها، فأوامرها مجابة قبل أن تهم بطلبها، وذلك ما جعلها تلح على والدتها بالبحث عن وسيط لدخول الجامعة، حتى طرقت الأم جميع الأبواب الموصدة وسكبت ماء وجهها على أبواب وإن شئت أقدام أشخاص كانت تظن في قرارة نفسها أنها لن تلتقي بهم لأسباب تعرفها ويعرفونها جيداً، استجاب لها البعض وأشاح الآخرون وجوههم حتى استنفذت ماء وجهها ولم يتبق إلا دماء قلبها في لحظة استفزازية لها، ومطرقة إلحاح ابنتها تهشم سندان قلبها حتى استجابت لها إحدى قريباتها ممن لها مركز اجتماعي وثقل وظيفي لكنها مغرورة بشهادتها، ووظيفتها، وكان يحز في صدر الأم الصابرة أن تلجأ إليها ولكنها الحاجة وإلحاح ابنتها، وقد اعترفت أخيراً لقريبتها بالتفوق لتقدمها عليها بالعلم.

وأخيراً دخلت نجلاء الكلية المرغوبة، لكنها أفاقت ذات لحظة على والدتها وهي تهذي مكلومة:
– لم يا ابنتي.. لم لم تستذكري دروسك جيداً وتحرزي الدرجات العالية لتتمكني بنفسك من دخول الكلية التي تريدين؟؟ لم يا ط§ط¨ظ†طھظٹ أهدرت كرامتي وأنا التي حفظتها لك وتعمدت تربيتك وكرهت المركبات السائرة على الأرض والطائرة في السماء خوفا من أن تخطفك الأولى أو تجهدك الثانية؟
– لم يا ط§ط¨ظ†طھظٹ لم تحققي نجاحك بجهدك؟؟
– نجلاء يا ابنتي.. ليتك ما أتيت…

صورة:
العتب لكل طالبة اعتمدت على واسطة والديها وهي تستطيع أن تكون أقوى من الواسطة!!

* *
المصدر: مجلة حياة العدد 74 – جمادى الآخر 1443هـ


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.