والحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
ومن والاه وبعد :
فلا شك أن الإنسان إذا عمل عملاً ، أو زار مكاناً ، أو اجتمع إلى شخص ،
واستشعر أثناء ذلك أنه لن يعود إليه مرة أخرى ، فإن هذا الشعور يضاعف في
نفسه شعوراً آخر بضرورة اغتنام تلك الفرصة التي قد لا تتكرر ؛ ولهذا فإن
الصحابة رضوان الله عليهم لما استمعوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى
موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، قالوا : ( كأنها موعظة
مودع) ، ولهذا أيضاً فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حج حجة (الوداع)
جمع لأمته فيها من النصيحة في كلمات ، ما تفرق خلال دعوته في سنوات ؛ ومن
هنا أيضاً ندرك السر في نصيحته لأحد أصحابه عندما قال له : (إذا قمتَ في
صلاتك فصلّ صلاة مودع) .
تعالوا نتصور … رجلاً مخلصاً يصلي ركعات يعلم أنه يودع بها الدنيا ..
كيف ستكون في تمامها .. في خشوعها … في شدة إخلاصها وصدق دعائها ؟ !
إن الرسول يعلمنا بهذا الهدي والله أعلم كيف نتخلص من آفة تحوّل العبادة
إلى عادة .
فلماذا لا نستحضر روح الوداع في عباداتنا كلها … خاصة وأننا إلى وداع في
كل حال .. ؟ وخاصة أن صلاتنا ليست مهددة وحدها بالتحول من عبادة إلى عادة ؟
إن ط±ظ…ط¶ط§ظ† يحل علينا ضيفاً مضيافاً ، يكرمنا إذا أكرمناه ، فتحل بحلوله
البركات والخيرات ، يُقدم علينا ، فيقدّم هو إلينا أصنافاً من الإتحافات والنفحات ..
ضيف لكنه مضيف ، وربما يكون الواحد منا في ضيافته للمرة الأخيرة .. !
أو ربما ينزل هو في ضيافة غيرنا بعد أعمار قصيرة .. فهلاّ أكرمنا ضيفنا !
وهلاّ تعرضنا لنفحات مضيفنا !
تصور أخي المتصفح أنك تستقبل ضيفاً عزيزاً ، وهو يستضيفك ، وتعلم أنك
بعد أيام قلائل ستودعه فلا تراه أبداً .. ! كيف ستستقبله ؟ وكيف ستحسن صحبته ،
وتكرم مثواه ؟
تعال معنا أيها المتصفح الحبيب نستحضر أحاسيس الوداع ، لعلنا ندع بها دَعة
تتلف أيامنا ، وعدة من الأماني تضعف إيماننا . تعال نخص هذا الشهر الكريم بمزيد
اعتناء وكأننا نصومه صيام مودع !
تعال نقف مع أنفسنا هذه الوقفات لإخراج صيامنا من إلْف العادة إلى روح
العبادة :
* نصوم ط±ظ…ط¶ط§ظ† في كل عام وهمّ أكثرنا أن يبرئ الذمة ويؤدي الفريضة ..
فليكن همنا لهذا العام تحقيق نعم تحقيق معنى صومه (إيماناً واحتساباً) ليغفر لنا ما
تقدم من ذنوبنا .. وهي كثيرة .
* نحرص كل عام على ختم القرآن في شهر القرآن مرات عديدة .. فلتكن
إحدى ختمات هذا العام ختمة بتدبر وتأمل ونية إقامة حدوده قبل سرد حروفه .
* نسعى في تنقلنا بين المساجد للقيام إلى اختيار الصوت الأجمل .. فليكن
سعينا العام وراء الصلاة الأكمل .
* يتزايد حرصنا في أوائل الشهر على عدم تضييع الجماعة مع الإمام ..
فليكن حرصنا هذا العام طوال الشهر على عدم تفويت تكبيرة الإحرام .
* نخص ط±ظ…ط¶ط§ظ† بمزيد من التوسعة على النفس والأهل من أطايب الدنيا ،
فليتسع ذلك للتوسعة عليهم بأغذية الأرواح والأنفس .
* إذا أدخلنا السرور على أسرنا بهذا وذاك فلنوسع الدائرة هذا العام فندخل
السرور على أُسَرٍ أخرى .. أَسَرتها الحاجة وكبّلَتها الأعباء .
* نتصدق كل عام بقصد مساعدة المحتاجين ، فلنجعل قصدنا لهذا العام
مساعدة أنفسنا التي بين أضلعنا على التخلص من نار الخطيئة بجعل تلك الصدقة
خالصة لتطفئ غضب الرب .
* نحرص على العمرة في ط±ظ…ط¶ط§ظ† لفضلها .. فلنجعلها لعمرنا كله هذا العام
إذا أذن الله نغسل بها ما مضى … فقد يكون آخر العهد بالبيت ذاك الطواف .
* نحرص وإياك على اكتساب العمل النافع في ط±ظ…ط¶ط§ظ† ، فليكن هذا النفع
متعدياً للغير بكتاب يُهدى أو نصيحة تُسدى .
* لنفسك من دعائك النصيب الأوفى ، فلتتخل عن هذا (البخل) في شهر الكرم ،
فملايين المسلمين في حاجة إلى نصيب من دعائك الذي تُؤَمّن عليه الملائكة وتقول : ولك بمثله .
* الجود محمود في ط±ظ…ط¶ط§ظ† وأنت أهله ببذل القليل والكثير ، فليمتد جودك
إلى الإحسان لمن أساء ، وصلة من قطع .
* لنكف عن الاعتكاف إلى الناس ، ولْنكتف بالعكوف مع النفس لمحاسبتها ؛
فربما يفجأنا الموت فنحاسَب داخل القبر قبل أن نتمكن من محاسبة أنفسنا ونحن
أحياء على ما فرطنا في جنب الله .
* نحب التعبّد بتفطير الصائمين ، فلنجرد هذه العبادة من حب المحمدة أو دفع
المذمة ، فذلك رياء لا يثيب صاحبه بل يصيب مقاتله .
* تفطير الصائمين من جوعة البطن مستحب مندوب ، ولكن إشباع جياع
القلوب فرض مطلوب ، فليكن لنا جهد في هذا مع جهدنا في ذلك .
* تصفّ قدميك مع مصلين لا تعرفهم … فهلاّ تعرفت على ما يوحّد قلبك
معهم ويضم صفك إليهم ، فإن تسوية الصفوف خلف الإمام ما جُعلت إلا لتوحيد
القلوب على الإيمان .
* لنا ولك أعداء ، فانتصر عليهم بالدعاء إن كانوا كافرين ، وانتصف منهم
بالدعاء إن كانوا مسلمين ، فكم من دعاء حوّل العداء إلى ولاء .
* في ط±ظ…ط¶ط§ظ† ، يذكرك الضعفاء بأنفسهم على نواصي الطرق وأبواب
المساجد ، فلتذكر أنت المستضعفين من المسلمين الذين لا سبيل لهم إليك ليذكّروك
بأنفسهم .
* يتوارد على سمعك في كل عام ما يعرّفك بقدر ط±ظ…ط¶ط§ظ† ، فاجعل همّ هذا
العام أن تتعامل مع ط±ظ…ط¶ط§ظ† بمقدار قدره .
* قدر ط±ظ…ط¶ط§ظ† يتضاعف في ليلة القدر ، فهل قدّرت في نفسك أنها ربما فاتتك
في أعوام خالية ؟ ! اغتنمها اليوم فقد لا تأتي بها ليالٍ تالية .
* إذا ودّعت ط±ظ…ط¶ط§ظ† .. أو ودّعك ط±ظ…ط¶ط§ظ† .. فاستحفظه ربك ، واستودعه ما
عملت فيه .. حتى لا يضيع ، فلا تدري ، لعلك لا تلقاه بعد عامك هذا . .
* إذا لقيته في عام قابل بّلغنا الله وإياك شهوره فعد مرة أخرى واستقبله
استقبال المودعّين .
هذه خطرات على أبواب هذا الموسم العظيم فهلاّ عقدنا العزم على أن يكون
بداية جديدة ومخلصة للعودة الصادقة إلى الله .
فاللهم بارك لنا في ط±ظ…ط¶ط§ظ† ، وأعنا على صيامه وقيامه ، واجعلنا من عتقاء
النيران . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات