
صدمتني تلك الرسالة التي وصلتني من هاتف زوجي المحمول و التي قال فيها:
" اكتبي لي بحرفك أنت, أريد أن أشعر بروحك و أنا أقرأ رسائلك " .
و قد نبهتني رسالة زوجي لهذا الواقع السائد في مجتمعاتنا, و الذي فرض علينا واجبا جديدا و هو ط±ط³ط§ط¦ظ„ الجوال, و باتت رسولنا في الأعياد و المناسبات و نستبدلها بمهاتفة ودية, أو بزيارة حلوة تجمعنا بالأحبة تحت مسميات كثيرة و منها ضيق الوقت و عدم التفرغ.
واقع لا بد منه ..
أدرك جيدا أن ط±ط³ط§ط¦ظ„ الجوال قد باتت قدرا وواقعا لا يمكنني الوقوف في وجه تياره, و أنني سأبدو عندما أترصد بها كمن يتقي الريح بقشة, و كل ما حولنا من عروض و أجهزة تلازمنا قد صنع لنا ثقافة بات من المستحيل وقف تغلغلها في حياتنا.
و لكن..
المؤلم في تلك الرسائل أنها بداية كرست التباعد بين الأهل و الأحبة و الأصحاب, و لا ينكر أحد أن الزيارات و الأحاديث الهاتفية تزيد في الود و تجعل التواصل أكمل و أشمل , بل و ترفع من درجات الود و المحبة في القلوب.
و أنها باردة لا روح فيها و قد باتت مكررة ممجوجة , فلا تكاد تصلك الرسالة من أحدهم حتى تستعد لاستقبالها من أخرين, و نحن هنا لا نشعر بأن روحا من الشخص الأخر معنا , بل هي لحظات تذكرنا فيها و هو يضغط تلك الأزرار.
في أحد الأعياد وصلت إلى أخي رسالة جوال نسي مرسلها أن يمحو منها اسم من أرسلها إليه مسبقا, و ذيل الرسالة باسمه و تم تحويلها إلى أخي دون محوه.
و هناك كتب تستطيع أن تجد فيها ط±ط³ط§ط¦ظ„ لكل المناسبات و بالطول الذي يناسب ميزانيتك.
بل هناك مدونة خاصة برسائل الجوال, و مواقع تستطيع أن ترسل منها مجانا و بشكل جماعي أيضا و هي كثيرة و منتشرة و في ازدياد كبير.
أين الخلل..
ربما يخطر لأحد أن يسأل قائلا:
– لم هذا الهجوم على هذه الوسيلة في التواصل و التي حلت مشكلات كبيرة من مشكلات هذا العصر فقللت الكلفة المادية للاتصال, و أدامت التواصل رغم الضغوط و قلة التفرغ؟!
و له نقول أننا لا نعترض عليها كوسيلة لجمع القلوب و تجديد العلاقات و تأدية الواجبات الصعبة, و لكننا ننكر استخدام تلك الحروف الجاهزة لأنها تحجب فكر المرسل و حقيقة مشاعره خلف حائط مسبق الصنع, و تنفي خصوصية العلاقة الحميمة بين الأهل و الأصدقاء و الأحبة كونها ترسل في وقت واحد لقائمة كاملة.
و الحل..
أرى أن يكون الحل بالتدرب على الكتابة و تنشيط حروفنا الصادقة الحميمة و الجرأة في إرسالها مهما بدت لنا تلك الرسائل التي تمتلك قافية أو جرسا موسيقيا أفضل و أقوى من حروفنا لغة و أدبا.
و أن نثق بأن ما ترسله قلوبنا من حروف مهما بدت بسيطة و ربما ساذجة هي أقوى و أبلغ أثرا من حروف جاهزة لا تمتلك أي حرارة و هي بالتالي لن تمد قلوب من يتسلمها بأي شعور يسعده أو يقربه منا.
فلنكتب بحروفنا الودودة رسائلنا, و لنكن على ثقة أنهم سيشعرون بما تكنه لهم قلوبنا من مشاعر دافئة من ود و حنين.
نشرت في موقع رسالة الإسلام
بقلم عبير النحاس
