نقف اليوم مع خُلُق مِن أخلاق القرآن، مع خُلُق نبويٍّ كريم، مع خصلة كريمة من خِصال الإيمان، وخُلُق عظيم من أخلاق الإسلام،
هذا الخُلق ضاع بين المسلمين إلا مَن رَحِمَ ربِّي – عز وجل – إنه خُلق ط§ظ„ظˆظپط§ط، بالعهد، وإنك لو نظرت إلى واقع الأمة اليوم، ستجد كم من الناس مَن يتكلَّم،
وكم من الناس مَن يَعِد، وكم من عهودٍ مسموعة ومرئيَّة ومنقولة! ولكن أين صدق الوعود؟! وأين ط§ظ„ظˆظپط§ط، بالعهود؟! فقد كثرت في زماننا هذا الوعود،
وأكثر منها عدم ط§ظ„ظˆظپط§ط، بها، فإذا أراد أحدُنا التهرُّب مِن أخيه، وعده بشيءٍ
وهو يعلم أنه لن ينفِّذ ما وعد به، وينسى قول الله – تبارك وتعالى -: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34].
الوفاء بالعهد..
1. من صفات الله جل وعلا فهو أحق أن يُتصف به "
وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا .." [ سورة النور ]
2. من سمات أهل الإصلاح والإيمان " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " [ البقرة ]
3. سبيل للوصول إلى أعلى الدرجات والقرب من رب البريات " ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما "[ الفتح
4. من صفات أولي الألباب أهل العقول النيرة بكتاب الله وسنة رسول الله " إنما يتذكر أولوا الألباب * الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق " [ الرعد ]
5. من صفات الأنبياء والمرسلين " وإبراهيم الذي وفّى " [ النجم ] " واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا " [ مريم ]
بل تعال أخي المسلم إلى سيرة مَن علَّم البشريَّة ط§ظ„ظˆظپط§ط، بالعهد، إلى سيرة سيِّدنا محمد – صلى الله عليه وسلم –
لنأخذ موقفًا واحدًا من المواقف العظيمة التي جسَّد فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خُلق ط§ظ„ظˆظپط§ط، بالعهد.
قبل غزوة "بدر" يخبره حذيفة بن اليمان، والحديث في "صحيح مسلم": أن كفَّار "قريش" قد أخذوه قبل أن يدخل المدينة هو وأبا حُسَيل،
فقالوا إنكم تريدون محمدًا، قلنا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عَهْد الله وميثاقه لننصرفَنَّ إلى المدينة ولا نقاتل معك يا رسول الله.
فماذا قال لهما صاحب ط§ظ„ظˆظپط§ط، يا تُرى؟ ماذا قال لهما مَن بعثه الله ليتممَ به مكارم الأخلاق؟ ومع أنه كان في أشد الحاجة إلى الرجال ليقاتلوا معه ضد المشركين، المشركين الذين أخرجوه من مكة،
الذين سفكوا دماء المسلمين واستحلوا أموالهم، وعذبوهم أشد العذاب، وبالرغم من كلِّ هذا،
قال لهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((انصرفَا نَفِي لهم بعَهْدِهم، ونستعين الله عليهم)).
إن كان هذا هو وفاء المسلمين للمشركين، بل للمشركين المحاربين وفي الحرب نفسها، فكيف يكون وفاءُ المسلمين للمسلمين؟!
وهذا سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي علَّم الأمة كيف يكون الانقياد لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – واسمعوا إلى موقفه الذي ترجم فيه خُلق ط§ظ„ظˆظپط§ط، بالعهد.
يرسل إليه أبو عبيدة بن الجرَّاح يستفتيه في فتوى غريبة جدًّا،
ويقول له: إنَّ أحد الجنود قد أمَّن قرية من بلاد العراق على دمائهم وأموالهم وهي في طريقنا، فماذا نصنع؟
وتأمَّل معي في هذا الموقف الغريب: جندي – لا يُعرف اسمه – من جيش المسلمين يُعطي الأمان لقرية بأكملها،
وربَّما هذه القرية إن لم تفتح فقد تكون ثغرة عظيمة يتضرَّر بها المسلمون كثيرًا إذا انقلبت عليهم.
فبماذا أجابه الفاروق عمر – رضي الله عنه؟ قال بعد حمد الله والثناء عليه: "
إن الله – تعالى – قد عظَّم الوفاء، ولا تكونون أوفياء حتى تفوا، فأوفوا لهم بعهدهم واستعينوا الله عليهم".
أتمنى أن نتحلى جميعًا بهذه الصفة التي باتت تندثر بكل يسر ولا يشعر أحد بذلك
والله المستعان ~