كان تقيس حبّه لها بالسجائر التي لا يدخنها. تقول "كلُّ سيجارة لا تشعلها، هي يوم يضاف إلى عمر حبّنا، تهديني إيّاه".
كم منّت نفسها بإنقاذه من النيكوتين، لكنّه يوم أقلع عن التدخين، أطفأ آخر سيجارة في منفضة قلبها. تركها رماد امرأة، وأهدى أيّامه المقبلة إلى امرأة تدخّن الرجال.
– القصّة الثانية:
حيث سافرت، كانت تشتري له "جاكيت" وبدلات وربطات عنق وقمصاناً، حتى كلّما خلع شيئاً منها عاد فارتداه. وعندما فاضت خزانة قلبه بحبّها، خلعها وارتدى امرأة سواها. فقد أصبح أكثر أناقة من أن يرتدي "أسمال حبّ".
– القصّة الثالثة:
كلّما نزل هاتف جديد إلى الأسواق، أهدته إيّاه، كي تطيل عمر صوته، وكي يكون لها من أنفاسه نصيب. أمنيتها كانت أن تصير الممّر الحتمّي لكلماته، أن تقتسم مع الهاتف لمسته، أن تضمن لها مكاناً في جيب سترته، أن تكون في متناول قلبه ويده.
بعد الهاتف الثالث، طلّقها بالثلاث، ترك قلبها للعراء خارج "منطقة التغطية".
ومن دون أن يقول شيئاً، دون أن يقدّم شروحاً، أعلن نفسه "خارج الخدمة".
في الواقع، كان قد بدأ يعمل خادماً بدوام كامل لدى امرأة يُقال إنها تُدعى "الخيانة".
– القصّة الرابعة:
أعواماً وهي تقول له: "كم أنت وسيم". كانت تراه بعيون القلب، وعيون الماضي، وعيون الغد، وعيون النعمة، وعيون الامتنان للحياة، وعيون الأغاني، وعيون الأشعار، وعيون النساء، وعيون الوفاء.. وعيون الغباء.
كلُّ عيونها كانت مشغولة بتلميع تمثاله. يوم أحبّته غدت كلّها عيوناً.
ما تركت لنفسها من آذان لتسأل: لماذا لم يقل لها يوماً "كم أنت جميلة"، بينما كلُّ العيون مِن حولها كانت تقول لها ذلك؟
– القصّة الخامسة:
يوم أحبّته، ما عاد لها من أهل عداه، ولا لعائلتها من شجرة. انغرست شتلة في غابة قبيلته. أصبح لها قرابة في كلّ نخلة نبتت في ديرته، وكلّ ناقة تسير في صحرائه، وكلّ مئذنة يرفع منها الأذان في بلاده، وكلّ امرأة تضع الخمار لتتحدث للغرباء في قريته.
راحت تبخّر أثوابها قبل أن تلقاه، وتشعل العود في تلابيب الكلمات التي تقولها له، وتقدّم الذبائح ابتهاجاً بمجيئه. وعندما فاقته بداوةً، بعث لها من إقامته في لندن رسالة تقول: "لا تبحثي عنّي بعد الآن بين ا
لخيّالة. إنّي أتداوى من الحبّ الرجعي. أنا مريض فعلاً. وفي دائي دوائي".
كامرأة بدويّة، قرّرت ألا تبكيه. تركته للأسرّة الشقراء، وأعلنت قرانها على الصحراء.
كنابة احلام مستغانمي