التصنيفات
اسلاميات

دورة آل عمران الورد (23)

[align=center]الورد الثالث و العشرون : خطاب للأمة
الآيات من 110 – 112 وتقع في الجزء الرابع من القرآن الكريم[/align]

[align=justify]{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }[/align]

[align=center]التقييم حتى مساء الجمعة[/align]

[align=center]وظيفة الأمة المسلمة وعداوة أهل الكتاب لها [/align]
بعدئذ يصف الأمة المسلمة لنفسها ليعرفها مكانها وقيمتها وحقيقتها ; ثم يصف لها أهل الكتاب ولا يبخسهم قدرهم إنما يبين حقيقتهم ويطمعهم في ثواب الإيمان وخيره ويطمئن المسلمين من جانب عدوهم فهم لن يضروهم في كيدهم لهم وقتالهم ولن ينصروا عليهم وللذين كفروا منهم عذاب النار في الآخرة لا ينفعهم فيه ما أنفقوا في الحياة الدنيا بلا إيمان ولا تقوى
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون
إن شطر الآية الأولى في هذه المجموعة يضع على كاهل الجماعة المسلمة في الأرض واجبا ثقيلا بقدر ما يكرم هذه الجماعة ويرفع مقامها ويفردها بمكان خاص لا تبلغ إليه جماعة أخرى
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله إن التعبير بكلمة أخرجت المبني لغير الفاعل تعبير يلفت النظر وهو يكاد يشي باليد المدبرة اللطيفة تخرج هذه الأمة إخراجا ; وتدفعها إلى الظهور دفعا من ظلمات الغيب ومن وراء الستار السرمدي الذي لا يعلم ما وراءه إلا الله إنها كلمة تصور حركة خفية المسرى لطيفة الدبيب حركة تخرج على مسرح الوجود أمة أمة ذات دور خاص لها مقام خاص ولها حساب خاص كنتم خير أمة أخرجت للناس وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة المسلمة ; لتعرف حقيقتها وقيمتها وتعرف أنها أخرجت لتكون طليعة ولتكون لها القيادة بما أنها هي خير أمة والله يريد أن تكون القيادة للخير لا للشر في هذه الأرض ومن ثم لا ينبغي لها أن تتلقى من غيرها من أمم الجاهلية إنما ينبغي دائما أن تعطي هذه الأمم مما لديها وأن يكون لديها دائما ما تعطيه ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح والتصور الصحيح والنظام الصحيح والخلق الصحيح والمعرفة الصحيحة والعلم الصحيح هذا واجبها الذي يحتمه عليها مكانها وتحتمه عليها غاية وجودها واجبها أن تكون في الطليعة دائما وفي مركز القيادة دائما ولهذا المركز تبعاته فهو لا يؤخذ ادعاء ولا يسلم لها به إلا أن تكون هي أهلا له وهي بتصورها الاعتقادي وبنظامها الاجتماعي أهل له فيبقى عليها أن تكون بتقدمها العلمي وبعمارتها للأرض قياما بحق الخلافة أهلا له كذلك ومن هذا يتبين أن المنهج الذي تقوم عليه هذه الأمة يطالبها بالشيء الكثير ; ويدفعها إلى السبق في كل مجال لو أنها تتبعه وتلتزم به وتدرك مقتضياته وتكاليفه وفي أول مقتضيات هذا المكان أن تقوم على صيانة الحياة من الشر والفساد وأن تكون لها القوة التي تمكنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; فهي خير أمة أخرجت للناس لا عن مجاملة أو محاباة ولا عن مصادفة أو جزاف تعالى الله عن ذلك كله علوا كبيرا وليس توزيع الاختصاصات والكرامات كما كان أهل الكتاب يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه كلا إنما هو العمل الإيجابي لحفظ الحياة البشرية من المنكر وإقامتها على المعروف مع الإيمان الذي يحدد المعروف والمنكر تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله فهو النهوض بتكاليف الأمة الخيرة بكل ما وراء هذه التكاليف من متاعب وبكل ما في طريقها من أشواك إنه التعرض للشر والتحريض على الخير وصيانة المجتمع من عوامل الفساد وكل هذا متعب شاق ولكنه كذلك ضروري لإقامة المجتمع الصالح وصيانته ; ولتحقيق الصورة التي يحب الله أن تكون عليها الحياة ولا بد من الإيمان بالله ليوضع الميزان الصحيح للقيم والتعريف الصحيح للمعروف والمنكر فإن اصطلاح الجماعة وحده لا يكفي فقد يعم الفساد حتى تضطرب الموازين وتختل ولا بد من الرجوع إلى تصور ثابت للخير وللشر وللفضيلة والرذيلة وللمعروف والمنكر يستند إلى قاعدة أخرى غير اصطلاح الناس في جيل من الأجيال وهذا ما يحققه الإيمان بإقامة تصور صحيح للوجود وعلاقته بخالقه وللإنسان وغاية وجوده ومركزه الحقيقي في هذا الكون ومن هذا التصور العام تنبثق القواعد الأخلاقية ومن الباعث على إرضاء الله وتوقي غضبه يندفع الناس لتحقيق هذه القواعد ومن سلطان الله في الضمائر وسلطان شريعته في المجتمع تقوم الحراسة على هذه القواعد كذلك
ثم لا بد من الإيمان أيضا ليملك الدعاة إلى الخير الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر أن يمضوا في هذا الطريق الشاق ويحتملوا تكاليفه وهم يواجهون طاغوت الشر في عنفوانه وجبروته ويواجهون طاغوت الشهوة في عرامتها وشدتها ويواجهون هبوط الأرواح وكلل العزائم وثقلة المطامع وزادهم هو الإيمان وعدتهم هي الإيمان وسندهم هو الله وكل زاد سوى زاد الإيمان ينفد وكل عدة سوى عدة الإيمان تفل وكل سند غير سند الله ينهار وقد سبق في السياق الأمر التكليفي للجماعة المسلمة أن ينتدب من بينها من يقومون بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما هنا فقد وصفها الله سبحانه بأن هذه صفتها ليدلها على أنها لا توجد وجودا حقيقيا إلا أن تتوافر فيها هذه السمة الأساسية التي تعرف بها في المجتمع الإنساني فإما أن تقوم بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإيمان بالله فهي موجودة وهي مسلمة وأما أن لا تقوم بشيء من هذا فهي غير موجودة وغير متحققة فيها صفة الإسلام وفي القرآن الكريم مواضع كثيرة تقرر هذه الحقيقة ندعها لمواضعها وفي السنة كذلك طائفة صالحة من أوامر الرسول ص وتوجيهاته نقتطف بعضها عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ص يقول < من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان > وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله ص < لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله تعالى قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وسليمان وعيسى بن مريم > ثم جلس وكان متكئا فقال < لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا > أي تعطفوهم وتردوهم وعن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله ص < والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم > وعن عرس ابن عميرة الكندي رضي الله عنه قال قال رسول الله ص < إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كمن شهدها > وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله ص < إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر > وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله ص < سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله > وغيرها كثير وكلها تقرر أصالة هذه السمة في المجتمع المسلم وضروراتها لهذا المجتمع أيضا وهي تحتوي مادة توجيه وتربية منهجية ضخمة وهي إلى جانب النصوص القرآنية زاد نحن غافلون عن قيمته وعن حقيقته ثم نعود إلى الشطر الآخر من الآية الأولى في هذه المجموعة
ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون وهو ترغيب لأهل الكتاب في الإيمان فهو خير لهم خير لهم في هذه الدنيا يستعصمون به من الفرقة والهلهلة التي كانوا عليها في تصوراتهم الاعتقادية والتي ما تزال تحرمهم تجمع الشخصية إذ تعجز هذه التصورات عن أن تكون قاعدة للنظام الاجتماعي لحياتهم فتقوم أنظمتهم الاجتماعية من ثم على غير أساس عرجاء أو معلقة في الهواء ككل نظام اجتماعي لا يقوم على أساس اعتقادي شامل وعلى تفسير كامل للوجود ولغاية الوجود الإنساني ومقام الإنسان في هذا الكون وخير لهم في الآخرة يقيهم ما ينتظر غير المؤمنين من مصير ثم هو بيان كذلك لحالهم لا يبخس الصالحين منهم حقهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون وقد آمن من أهل الكتاب جماعة وحسن إسلامهم منهم عبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن شعبة وكعب بن مالك وإلى هؤلاء تشير الآية هنا بالإجمال وفي آية تالية بالتفصيل أما الأكثرون فقد فسقوا عن دين الله حين لم يفوا بميثاق الله مع النبيين أن يؤمن كل منهم بأخيه الذي يجيء بعده وأن ينصره وفسقوا عن دين الله وهم يأبون الاستسلام لإرادته في إرسال آخر الرسل من غير بني إسرائيل واتباع هذا الرسول وطاعته ولاحتكام إلى آخر شريعة من عند الله أرادها للناس أجمعين ولما كان بعض المسلمين ما يزالون على صلات منوعة باليهود في المدينة ولما كانت لليهود حتى ذلك الحين قوة ظاهرة عسكرية واقتصادية يحسب حسابها بعض المسلمين فقد تكفل القرآن بتهوين شأن هؤلاء الفاسقين في نفوس المسلمين وإبراز حقيقتهم الضعيفة بسبب كفرهم وجرائمهم وعصيانهم وتفرقهم شيعا وفرقا وما كتب الله عليهم من الذلة والمسكنة لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون بهذا يضمن الله للمؤمنين النصر وسلامة العاقبة ضمانة صريحة حيثما التقوا بأعدائهم هؤلاء وهم معتصمون بدينهم وربهم في يقين لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون فلن يكون ضررا عميقا ولا أصيلا يتناول أصل الدعوة ولن يؤثر في كينونة الجماعة المسلمة ولن يجليها من الأرض إنما هو الأذى العارض في الصدام والألم الذاهب مع الأيام فأما حين يشتبكون مع المسلمين في قتال فالهزيمة مكتوبة عليهم في النهاية والنصر ليس لهم على المؤمنين ولا ناصر لهم كذلك ولا عاصم من المؤمنين ذلك أنه قد ضربت عليهم الذلة وكتبت لهم مصيرا فهم في كل أرض يذلون لا تعصمهم إلا ذمة الله وذمة المسلمين حين يدخلون في ذمتهم فتعصم دماءهم وأموالهم إلا بحقها وتنيلهم الأمن والطمأنينة ولم تعرف يهود منذ ذلك الحين الأمن إلا في ذمة المسلمين ولكن يهود لم تعاد أحدا في الأرض عداءها للمسلمين وباءوا بغضب من الله كأنما رجعوا من رحلتهم يحملون هذا الغضب وضربت عليهم المسكنة تعيش في ضمائرهم وتكمن في مشاعرهم ولقد وقع ذلك كله بعد نزول هذه الآية فما كانت معركة بين المسلمين وأهل الكتاب إلا كتب الله فيها للمسلمين النصر ما حافظوا على دينهم واستمسكوا بعقيدتهم وأقاموا منهج الله في حياتهم وكتب لأعدائهم المذلة والهوان إلا أن يعتصموا بذمة المسلمين أو أن يتخلى المسلمون عن دينهم ويكشف القرآن عن سبب هذا القدر المكتوب على يهود فإذا هو سبب عام يمكن أن تنطبق آثاره على كل قوم مهما تكن دعواهم في الدين إنه المعصية والاعتداء ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون فالكفر بآيات الله سواء بإنكارها أصلا أو عدم الاحتكام إليها وتنفيذها في واقع الحياة وقتل الأنبياء بغير حق وقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس كما جاء في آية أخرى في السورة والعصيان والاعتداء هذه هي المؤهلات لغضب الله وللهزيمة والذلة والمسكنة وهذه هي المؤهلات التي تتوافر اليوم في البقايا الشاردة في الأرض من ذراري المسلمين الذين يسمون أنفسهم بغير حق مسلمين هذه هي المؤهلات التي يتقدمون بها إلى ربهم اليوم فينالون عليها كل ما كتبه الله على اليهود من الهزيمة والذلة والمسكنة فإذا قال أحد منهم لماذا نغلب في الأرض ونحن مسلمون فلينظر قبل أن يقولها ما هو الإسلام ومن هم المسلمون ثم يقول وإنصافا للقلة الخيرة من أهل الكتاب


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.