تفنى اللذاذات ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النار
فلنستدرك ما مضى بما بقى، وما تبقى من ليال أفضل مما مضى، ولهذا كان رسول الله { إذا دخل ط§ظ„ط¹ط´ط± شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله } [متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها]. وفي رواية مسلم: { كان يجتهد في ط§ظ„ط¹ط´ط± ط§ظ„ط£ظˆط§ط®ط± ما لا يجتهد في غيره } وهذا يدل على أهمية وفضل هذه ط§ظ„ط¹ط´ط± من وجوه: أحدها: أنه كان إذا دخلت ط§ظ„ط¹ط´ط± شد المئزر، وهذا قيل إنه كناية عن الجد والتشمير في العبادة، وقيل: كناية عن ترك النساء والاشتغال بهن. وثانيها: أنه يحي فيها الليل بالذكر والصلاة وقراءة القرآن وسائر القربات. وثالثها: أنه يوقظ أهله فيها للصلاة والذكر حرصاً على اغتنام هذه الأوقات الفاضلة. ورابعها: أنه كان يجتهد فيها بالعبادة والطاعة أكثر مما يجتهد فيما سواها من ليالي الشهر.
وعليه فاغتنم بقية شهرك فيما يقرِّبك إلى ربك، وبالتزوُّد لآخرتك من خلال قيامك بما يلي:
1- الحرص على إحياء هذه الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والقراءة وسائر القربات والطاعات، وإيقاظ الأهل ليقوموا بذلك كما كان يفعل. قال الثوري: ( أحب إلي إذا دخل ط§ظ„ط¹ط´ط± ط§ظ„ط£ظˆط§ط®ط± أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك ). وليحرص على أن يصلي القيام مع الإمام حتى ينصرف ليحصل له قيام ليلة، يقول النبي : { من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة } [رواه أهل السنن وقال الترمذي: حسن صحيح].
2- اجتهد في تحري ليلة القدر في هذه ط§ظ„ط¹ط´ط± فقد قال الله تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3]. ومقدارها بالسنين ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر. قال النخعي: ( العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ). وقال : { من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [متفق عليه]. وقوله { إيماناً } أي إيماناً بالله وتصديقاً بما رتب على قيامها من الثواب. و { احتساباً } للأجر والثواب وهذه الليلة في ط§ظ„ط¹ط´ط± ط§ظ„ط£ظˆط§ط®ط± كما قال النبي : { تحروا ليلة القدر في ط§ظ„ط¹ط´ط± ط§ظ„ط£ظˆط§ط®ط± من رمضان} [متفق عليه]. وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع، لقول النبي : { تحروا ليلة القدر في الوتر من ط§ظ„ط¹ط´ط± ط§ظ„ط£ظˆط§ط®ط± من ط±ظ…ط¶ط§ظ† } ]رواه البخاري]. وهي في السبع ط§ظ„ط£ظˆط§ط®ط± أقرب، لقوله : { التمسوها في ط§ظ„ط¹ط´ط± الأواخر، فإن ضعف أحدكم أوعجز فلا يغلبن على السبع البواقي } [رواه مسلم]. وأقرب السبع ط§ظ„ط£ظˆط§ط®ط± ليلة سبع وعشرين لحديث أبي بن كعب أنه قال: ( والله إني لأعلم أي ليلة هي الليلة التي أمرنا رسول الله بقيامها هي ليلة سبع وعشرين ) [رواه مسلم].
وهذه الليلة لا تختص بليلة معينة في جميع الأعوام بل تنتقل في الليالي تبعاً لمشيئة الله وحكمته.
قال ابن حجر عقب حكايته الأقوال في ليلة القدر: ( وأرجحها كلها أنها في وتر من ط§ظ„ط¹ط´ط± ط§ظ„ط£ظˆط§ط®ط± وأنها تنتقل ) ا.هـ. قال العلماء: ( الحكمة في إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها ).ا.هـ وعليه فاجتهد في قيام هذه ط§ظ„ط¹ط´ط± جميعاً وكثرة الأعمال الصالحة فيها وستظفر بها يقيناً بإذن الله عز وجل.
والأجر المرتب على قيامها حاصل لمن علم بها ومن لم يعلم، لأن النبي لم يشترط العلم بها في حصول هذا الأجر.
3- احرص على الاعتكاف في هذه العشر. والاعتكاف: لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله تعالى. وهو من الأمور المشروعة. وقد فعله النبي وفعله أزواجه من بعده، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي يعتكف ط§ظ„ط¹ط´ط± ط§ظ„ط£ظˆط§ط®ط± من ط±ظ…ط¶ط§ظ† حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده ) ولما ترك الاعتكاف مرة في ط±ظ…ط¶ط§ظ† اعتكف في ط§ظ„ط¹ط´ط± الأول من شوال، كما في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين.
قال الإمام أحمد رحمه الله: ( لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أن الاعتكاف مسنون والأفضل اعتكاف ط§ظ„ط¹ط´ط± جميعاً كما كان النبي يفعل لكن لو اعتكف يوماً أو أقل أو أكثر جاز ). قال في الإنصاف: ( أقله إذا كان تطوعاً أو نذراً مطلقاً ما يسمى به معتكفاً لابثاً ). وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: ( وليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم ).
وينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والاستغفار والقراءة والصلاة والعبادة، وأن يحاسب نفسه، وينظر فيما قدم لآخرته، وأن يجتنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا، ويقلل من الخلطة بالخلق. قال ابن رجب: ( ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس، حتى ولا لتعليم علم وإقراء قرآن، بل الأفضل له الانفراد بنفسه والتحلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه، وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية )ا.هـ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين