ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السؤال( أود منكم نصيحة في قضية انتشرت في
شبكة الإنترنت ، وهــي كتابة أحاديث موضوعة
وأدعية مبتدعة في المدونة وغــيرهــا ، ممــا
لا نعلم فيها أهي صحيحة أو ضعيفة … الخ )؟
الجـواب : الحمد لله
قد رأينا – وللأسف -في السنوات الأخيرة انتشارا
خطيرا لمعصية شنيعة ، هـي من كبائر الذنوب ،
ومهلكات المعاصي ،تهاون بها كثير من الناس،
فأفسدوا بذلك فـــي الدين ، وتطاولوا عــلى مقام
الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ،هذه
الظاهــرة تتمثــل فــي ط§ظ†طھط´ط§ط± الأحاديث المكذوبة
عــلى النبي صــلى الله عليــه وســلم ، والجرأة
العظيمة في التحديث عنــه صــلى الله عليــه
وسلم من غير تَحَرٍّ ولا تَثَبُّت .
ولـذلك كــان لزاما علينا وعــلى كــل مسلم غيور
على دينـه أن نذكــر النــاس ونبلــغــهــم خطورة
ما يتساهلون به ، ونحذرهم ما بلغ بهم الحال ،
نصحية لله ولرسوله ولعامة المسلمين .
فنقـــول : أولا : إن واجبنا – أيها الإخوة الكرام –
هو نصرة النبي صلى الله عليه وسلــم ، وتحقيق
محبته بحــسن اتباعه ، والمحافظة علــى نقــــاء
شريعته -في زمن تطاول فيه السفهاء والحاقدون
على مقامه صلى الله عليه وسلــم – ولا شــك أن
من أعظم ما يُنصر به الدين ، ويُجَلُّ به الرســول
الكريم هو الصدق في نقل أقواله وأخباره ، ونفي
الكذب الـذي يحكى عـلى لسانه ، فإننا إذ نعلم أن
لا أحـد يَقبل أن يُحكى على لسانه ما لم يقل ، أو
ينقـل عنه ما لم ينطق به ، فما هو الظن برسولٍ
يوحى إليه من عند الله تبارك وتعالى ، وشريعتُه
شريعة خالدة جاءت لتصلح أمـر العباد إلــى يوم
القيامة ، لا شك أنه صلى الله عليـه وسلــم أكثر
الناس كراهية أن يُكذب عليه ،ولذلك روى عنـه
المغيرة بن شعبة رضـي الله عنه أنه قــال ( إِنَّ
كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ
مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ) رواه مسلـم في
مقدمة صحيحه (رقم/4) وقــــد بوب الحافظ ابن
حبان على حديث أبي هريرة بمعنى هذا الحديث
بقوله ( فصـل : ذكــر إيجاب دخــول النار لمن
نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليـه
وسلم وهو غير عالم بصحته )
ووالله إن المسلم ليعجب حين يجد في الناس مـن
يتوقى جُهدَهُ الوقوعَ في المعاصي الظاهرة ، مـن
غش أو غيبة أو سرقة أو زنا ، ثــم يتساهل فـي
هــذا الأمر ، يحسبه هينا وهــو عنـد الله عظيم ،
فتجده يحـفظ الأحاديث المكذوبة ، ويحكيها فــي
المجالـس والمواقع ، ولا يتكلف عناء السؤال
عنها ، ولا يتثبت من صحتها .
ثانيا : ليعلمْ كل من نشر حديثا من غير تثبت من
صحتــه – ســـواء برسالة في الجوالات ، أو فــي
مدونة ( الإنترنت )أو نقله من موقع إلى آخر ،
أو أرفقــه فــي رسالـة – أنه يستحق بذلك العذاب
والنكال في الآخرة ، هــو والــذي كــذب الحــديث
وصنعه أول مرة ،فإن جرم الناقل للكذب من غير
تثبت كجرم الكاذب الذي تجرأ على مقام الرسول
الكريم صلى الله عليه وسلم .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي
بِحَدِيثٍ يُرَى – أي : يظـن – أَنَّــهُ كَذِبٌ فَهُــوَ أَحَــدُ
الْكَاذِبَِيْنَ)رواه مسلم في مقدمة صحيحه(ص/7).
وقال النووي في شرح هذا الحديث "شرح مسلم"
(1/65) " فيـه تغليظ الكذبِ والتعرضِ له ، وأن
من غلب على ظنه كذب مــا يرويــه فرواه كــان
كاذبا ، وكيف لا يكون كاذبا وهـو مخبر بما لم
يكن " انتهى .
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة"
(32 -34) : " لقـــد جــرى كثـيـر مــن المؤلفين
– ولا سيما فـي العصر الحاضر – علــى اختــلاف
مذاهبهم واختصاصاتهم عـــلى روايـــة الأحاديث
المنسوبة إلـى النبي صلى الله عليه وسلـــم دون
أن ينبهوا عـلى الضعيفة منهــا ، جهــــلا منهــم
بالسنة ، أو رغبة ، أو كسلا منـهم عـن الرجوع
إلى كتب المتخصصين فيها . قال أبو شامة – في
"الباعث على إنكار البدع والحوادث(ص/54) -:
" وهــذا عنــــد المحققين من أهل الحديث وعند
علماء الأصول والفقه خطأ ، بــل ينبغي أن يبين
أمـره إن علم ، وإلا دخل تحت الوعيد في قـــوله
صلى الله عليه وسلم(من حدث عني بحديث يرى
أنـه كذب فهو أحد الكاذبين ) رواه مسلــــم" اهـ
هذا حكمُ من سكــت عن الأحاديث الضعيفة فــي
الفضائل !فكيف إذا كانت في الأحكام ونحوها!؟
واعلم أن من يفعل ذلك فهو أحد رجلين :
1 – إما أن يعـرف ضعــف تلك الأحاديث ولا ينبه
على ضعفها ،فهو غاش للمسلمين ،وداخل حتما
في الوعيد المذكور . قال ابــن حبــان فــي كتابه
"الضعفاء" (1/7-8) " في هذا الخبر دليل على
أن المحدث إذا روى ما لم يصح عن النبي صلى
الله عليه وسلم ، مما تُقُوِّل عليه وهو يعلم ذلك،
يكــون كأحد الكاذبين ، عــلى أن ظاهــر الخبــر
ما هو أشد قال صلى الله عليه وسلم ( من روى
عني حديثا وهو يرى أنه كذب . . ) ولم يقــل :
إنه تيقن أنه كذب ، فكل شاك فيــما يروي أنــه
صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب
هذا الخبر " .
2 – وإما أن لا يعــرف ضعفها ، فهــو آثم أيضــا
لإقدامه على نسبتها إليه صلى الله عليــه وسلــم
دون علم ، وقد قال صلى الله عليه وسلـم ( كفى
بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع )رواه مسلم
في "مقدمة صحيحه" (رقم/5)
فله حظ مــن إثم الكاذب على رسول الله صلى الله
عليــه وسلم ؛ لأنه قد أشار صلى الله عليه وسلم
أن مــن حــدث بكل ما سمعه – ومثله من كتبه –
أنــه واقـع في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم
لا محالة ،فكان بسبب ذلك أحد الكاذِبَيْن :الأول:
الذي افتراه . والآخر : هذا الذي نشره !
قال ابن حبان أيضا (1/9) " في هذا الخبر زجر
للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم علم
اليقين صحته " اهـ
وقــد صـرح النووي بــأن مــن لا يعــــرف ضعف
الحديث لا يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من
غير بحث عليه بالتفتيش عنــه إن كــان عارفا ،
أو بسؤال أهـــل العـلم إن لم يكــن عـــارفــا "
انتهى النقل عن الشيخ الألباني رحمه الله .
ثالثا : يعظم خطر ما يقع به هؤلاء الناس – الذين
ينشرون الأحاديث من غير تثبت ولا تبين – حيـن
ينتشر ما يفترونه في الآفاق ، فيقرؤه ( ملايين )
البشــر ، وتتناقله الأجيال أزمنة طويلة ، فيتحمل
هو ومن ساعده في نشرها الإثم إلى يوم القيامة.
عَــــنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ
صَــلَّى اللَّهُ عَـلــَيْــهِ وَسَـلَّـمَ ( رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ
أَتَيَانِي .. قَـــالَا : الّــَذِي رَأَيْتَـهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ
يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ
بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري(6096)
رابعــا : نحــن لا نملك – إزاء كــل هــذا الوعيد –
إلا أن نُذَكِّرَ أنفسنا وإخواننا المسلمين بتقوى الله
في ديننا وشريعتنا ،فلا نكون معاولَ هدم وإفساد
فـإن ط§ظ†طھط´ط§ط± الأحاديث المكذوبة من أعظم عوامل
فساد الدين ،وما هلك اليهود والنصارى إلا حين
افتروا على الله ورسله الكـــذب ، ونسبــوا إلــى
شرائعهم ما لم تأت به الرسل ،فاستحقوا بذلك
غضب الله ومقته .
فهــل يريد هؤلاء المتساهلون في نشر الأحاديث
مــن غير تثبت أن يلحقوا بمن غضب الله عليهم
ولعنهم ؟! وهــل يرضى أحد أن يكون أداة تنشر
ما يفسد ، وعونا للزنادقة الــذين يكذبون على
شريعتنا ونبينا ؟!!
أم هل يسعى من يقوم بنشر الأحاديث مـــن غيــر
تثبـت إلــى التشبــه بطوائــف الكــذب والضـــلال
كالرافضة الذين ملؤوا الدنيا بكذبهم على النبي
صلى الله عليه وسلم وآل بيته ؟!
وهل يعلم هؤلاء أن صلاتهم وصيامهم وعبادتهم
– قـد – لا تغني عنهــم عنـــد الله شيئا ، ولا تدفع
عنهــم عار ذلك الكذب وإثمــه ، إن هــم شاركوا
فـي نشر هـذه الأحاديث الباطلة ؟ ! فرب معصية
يتهاون بها صاحبها تهوي به في النار وتكون
سببا في شقائه .
يقول أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي :
" قـال شيخـنـا أبــو الفضــــل الهمداني : مبتدعة
الاسلام والواضعون للأحاديث أشد من الملحدين؛
لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين مــن خـــارج ،
وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل ، فهـم كأهل بلد
سعــوا فـــي إفســـاد أحوالـــه ، و المـلـحـــدون
كالمحاصرين مــــن خــارج ، فالدخلاء يفتحـون
الحصن ، فـهـــو شــر علــى الإسلام من غيـــر
الملابسين له"انتهى . نقلا عن"الموضوعات"
لابن الجوزي (1/51)
خــامـســا : وبعد ذلك كله يأتيك مــن يعتذر عـــن
إفساده ونشره الأحاديث المكذوبة بقول :الأحاديث
الضعيفة يؤخذ بها في فضائل الأعمال .
ألا فليعلــم أن هــذا مــن تلبيس الشيطان ، ومــن
الجهل المركب ، يعتــدي بــه قائله ، ويتحمل بــه
وزرا عــلى وزر ، فإن هذه القاعدة التــي يذكرها
بعـض أهل العلم إنما يذكرونها مشروطة بشروط
عدة ،ليت من يأخذ بها يلتزم هذه الشروط وهي:
1-أن يتعلق الحديث بفضائل الأعمال مما له أصل
في الشريعة ،وليس بالعقائد أو الأحكام أو الأخبار
التي ينبني عليها فقه وعمل ،بل وليس بفضائل
الأعمال التي ليس لها أصل في الشريعة .
2- ألا يكون شديد الضعف : فالحـديث الموضوع
والمنكر لا يجوز روايته ولا العمــل بــه باتفاق
أهل العلم .
3-ألا يعتقد نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
4 – أن يصرح من ينقل هـذا الحديث بضعفه ، أو
يشيــر إلــى ضعفه باستعمـال صيغة التمريض :
يُروَى ، ويُذكَرُ. . ونحو ذلك .
( هــذه الشروط مستخلصة من كلام الحافظ ابــن
حجر في"تبيين العجب"(3-4) ونقل بعضها عن
العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد )
وانظر حـول العمــل بالحديث الضعيــف جــواب
السؤالين (44877) و(49675) .
إذن ، لم يقصد أهــل العلـم القائلون بهذه القاعدة
تجويز ما يقوم بـه هــؤلاء الــذيــن ينشرون فـي
المدونة كــل حديث وكل رواية ، صحيحة أو
مكذوبة أو ضعيفة .
يقــول الشيــخ الألبانــي رحمــه الله فــي " تمــام
المنـــة " (36) : " ومن المؤسف أن نرى كثيرا
مـن العلماء – فضلا عن العامة – متساهلين بهذه
الشروط ، فهــم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا
صحته مـن ضعفه ، وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا
مقداره ، وهل هو يسير أو شديد يمنع العمل به،
ثم هم يشهرون العمــل بــه كمــا لو كــان حديثا
صحيحا ، ولــذلك كثرت العبادات التــي لا تصح
بين المسلميــن ، وصرفتهــم عــن العـبــادات
الصحيحة التي وردت بالأسانيد " انتهى .
ســادســا : إذا تـاب العـبـد مــن نشــر الأحــاديـث
المكذوبة ، أو عــلم حرمة ما قام به بعـد أن كـان
جاهلا بالحكــم ، فبــاب التــوبـة مفتوح ، ولكنــه
مشروط بالبيان بعــد الكتمان ، والإصـــلاح بعــد
الإفســاد . يقـــول الله تعــالــى ( إِلاَّ الَّـــذِينَ تَابُواْ
وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ ) البقرة /160
لذلك ينبغي عـلى كــل مسلــم أن ينــشر الأحاديث
الصحيحة بدلا من المكذوبة الموضوعة ، وكُتــبُ
السنة الصحيحة مليئةٌ – بفضـل الله – بالأحــاديث
الثابتة التـي لــو قضى المرء عمـره فــي حفظها
وفهمها ما كاد يحيط بها ، ويكفــيه فــي ذلك أن
يجـــد عالمــا مــن علماء الحديث قــد حكم على
الحديث بالصحة والقبول ، فيقبلـه منه وينشر
الحديث مع حكم ذلك العالم عليه .
وأمـا مــن كــان وقع فــي نشر الأحاديث الواهية
فعليه أن ينشر بيانات العلماء في حكمها ، وفـي
موقعنا العديد من الإجابات عـلى أحاديث ضعيفة
منتشرة في المدونة ، يمكنه الاستفادة منها .
ومن ذلك الحديث المذكور في السؤال ، فقد سبق ط¨ظٹط§ظ† ضعفه
في جواب السؤال رقم (98821)
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ